2022/12/29 11:34

الخصائص التربويّة للقرآن الكريم



للتربية في القُرآن الكريم الكثير من الخصائص؛ فهو الكتاب المُعجز، وكتاب التربية الأوّل للمُسلمين، وبيان هذه الخصائص فيما يأتي:

1-
الربّانية: ويُقصَد بذلك أنّها ربّانية المصدر والغاية؛ فهو مَنهج من عند الله -تعالى-، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وليس للبشر علاقة به؛ وهذا لا يعني تعطيل العقل البشريّ ودوره في إعمار الكون؛ بل جاء الحثّ كثيراً في القرآن الكريم على التفكُّر والتدبُّر وإعمال العقل، وشواهد التاريخ الكثيرة تؤكّد سقوط كلُّ المناهج التي وضعها الإنسان لتربية الإنسان على مرّ العصور أمام هذا المنهج الرباني الفريد

2-
الشموليّة: ويعني ذلك أنّ المنهج التربوي الإسلامي جاء شاملاً لحياة البشر في الدُّنيا والآخرة، وتناول كيانَ المسلم الجسديّ والروحيّ، ونظّم علاقة المسلم بنفسه، ومع الآخرين من المُسلمين وغير المُسلمين، وجاءت تشريعاته متوافقة مع حدود إمكاناته وقُدراته، ولم تُكلّفه فوق ما يُطيق، ولم يترُك القرآن شيئاً ممّا يحتاجه الإنسان في صلاح دينه ودنياه إلّا وبَيّنه له؛ قال -تعالى-: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ في الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا في الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)

3 -
التكامُليّة: ويعني ذلك تكامُله في مجالات الحياة جميعها؛ الأخلاقية، والاقتصادية، والسياسية، والدينية، وغيرها، وتكامُل اتِّجاهات التربية القُرآنيّة في مجالات العقيدة، والعبادة، وسُلوك المسلم مع الفرد، والجماعة.

4 -
الوسطيّة: ويُقصَد بها الاعتدال، والقِسط، والأفضليّة؛ لقوله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)، إذ راعى القُرآن مُكوّنات الإنسان؛ من جسد، وروح، بشكل مُتوازن، بحيث لا يطغى جانب على حساب جانبٍ آخر، فقد أعطى كلّ جانب حاجاته ومتطلباته في حالة من التوازن التي ترفض الإفراط أو التفريط، ومن هنا كان منهج القرآن الكريم وسطاً بين تطرُّف الماديين وتشدُّد الرهبانيين.

5-
الواقعيّة: ويكون ذلك من خلال النَّظر في اختلاف البشر في الصفات، والفصائل؛ فهو يتعامل معهم على أساس الخطأ والإصابة، وليس على أساس المثاليّة، وتُحاول آياته الوصول بالإنسان إلى درجة التقوى؛ قال -تعالى-: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).

6 -
الوضوح: ويكون ذلك من خلال بُعد القرآن عن الغُموض، أو الشكّ، أو النَّقص؛ فآياته واضحة، وتوجيهاته جَلِيّة.

7 -
اليُسْر والسهولة: ويتبيّن ذلك من سهولة تعاليمه؛ أي سهولة تطبيقها، والالتزام بها؛ إذ إنّها تكون ضمن حدود طاقة البَشَر.

8 -
التدرُّج: إذ تحتاج التربية إلى تدرُّج؛ فهي ليست عمليّة تحوُّل مُفاجئ في سُلوك الأفراد؛ فالطِّباع البشريّة تحتاج إلى تقريب، وتجريب، وهو الشيء الذي راعاه القُرآن في تربيته الإنسانَ، ومن أمثلة ذلك التدرُّج في تحريم الخَمر؛ فقد كان الناس قبل بعثة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يشربون الخمر ويُحبّونها؛ ولذلك كان تحريمها على عدّةٍ مراحل سبباً في تهيئة النّفوس لتقبُّل أمر الله فيها، والاستسلام لحكمه -سبحانه- بالرّضا والقبول.