معنى الأحرف المفردة في
القرآن الكريم
الدكتور مسلم محمد جودت
اليوسف
السلام عليكم و رحمة الله
وبركاته
كيف حالك شيخي الفاضل
يوجد ملحد أو مسيحي أراد مني
أن أثبت له أن القرآن لا يحتوي لا كلمات لا معنى لها ، و كان يقصد بتلك الأحرف مثل
سورة يس و القرآن على حسب قوله ان أحرف " يس" هي مجرد أحرف لا معنى لها
و جائت من عبث استغفر الله العظيم
و أردت من فضيلتك بعض من
الدلائل التي تثبت أن هذه الأحرف اعجاز عملي لكي يصدق هذا المسيحي و لعلي أكون سبب
في هدايته للدين الإسلامي
أرجو الرد للأهمية
و في الختام السلام
أخوكم
أقول مستعيناً بالله العظيم :
ورد في القرآن الكريم تسع
وعشرون سورة ا فتُتِحَت بحروف هجائية تُقرأ مقطعةً بأسمائها هكذا : ألف – لام –
ميم .. و كان منها ما افتتح بحرف واحد مثل : ص – ق – ن .
و منها ما افتتح بحرفين مثل
: طه – يس .
و منها ما افتتح بثلاثة أحرف
مثل : ألم .
و منها ما افتتح بأكثر من
ذلك مثل : كهيعص .
و ليس لهذه الحروف في اللغة
العربية سوى مسمياتها التي ينطق بها في الكلمات المركبة . و لم يرد من طريق صحيح
عن النبي - صلى الله عليه وسلم -بيان للمـراد منها , و لذلك اختلف أهل العلم فيها
اختلافاً كثيراً , و هذه الأراء على كثرتها و تنوعها ترجع إلى رأيين اثنين :
أولاً : أنها جميعاً مما
استأثر الله به و لا يعلم معناه أحد سواه و هذا رأي كثيرمن سلف هذه الأمة .
ثانياً : أن لها معنى , و
ذهبوا في معناها مذاهب شتى نُثِرت في كتب التفسير و لعل أقرب هذه الآراء إليَّ هي
: أن هذه الأحرف ما هي إلا زيادة في التحدي بالقرآن , بمعنى أن هذه الأحرف ليست
مادة غريبة عليكم و لا مجهولة لكم , و رغم هذا فأنتم لا يمكن أن تأتوا بمثلها مما
يدل على أن هذا القرآن ليس من صنع البشر إنما هو من عند الله تعالى , قال عز و جل
: ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا
بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:23)
و قال أيضاً : ( قُلْ لَئِنِ
اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ
لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الاسراء:88) .
و يقال عزو جل: ( أَمْ
يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ
وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)
(هود:13)
(
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِين * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ *
عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (الشعراء:192-193-194 )
و يدل قو لـه تعالى : ( نزل
به الروح الأمين) .
دلالة قطعية على عدة أمور
عدة منها :
1- أن هذا القرآن منزل من عند الله تعالى و نزل به
الروح الأمين و هو جبريل عليه السلام فأوحاه للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -.
2- أن هذا القرآن هو من عند الله عز و جل و ليس فيض
من نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - أو غير ذلك مما تقول طوائف من الفلاسفة و
الملحدين و أمثالهم .
و قد سئلت اللجنة الدائمة
للبحوث العلمية و الإفتاء عن بعض معاني الآيات مثل ( حم - ألم – ألمص – حم – عسق )
( الفتوى رقم 6395) فأجابت بما يلي :
فيه آراء للعلماء , و الراجح
أنها ذكرت هذه الحروف – و الله أعلم – في أول السور التي ذكرت فيها , بياناً
لإعجاز القرآن , و أن الخلق عاجزون عن معارضة بمثله , هذا مع أنه مركب من هذه
الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها , و هذا هو الذي نصره شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله و ارتضاه أبو الحجاج المزي رحمه الله .
و اعلم أخي الفاضل : أننا
نبين الحق كما هو فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر والله الهادي إلى سواء السبيل .
قال تعالى في محكم التنزيل :
( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ
فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ
سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي
الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً) (الكهف:29).
فنحن يا أخي لا نملك إلا
هداية الدلالة لمن في قلبه نور ، فنبين لـه الحق فيهديه الله , و أنت بِّين لهذا
السائل الحق كما هو و اسأل الله لـه الهداية و لا تحزن إن لم يؤمن , فإن آمن فلله
الحمد و المنة على هدايته و لك الأجر و الثواب لقاء هذا العمل الجليل , و إن لم
يؤمن فا الله جعلك حجة عليه في الموقف العظيم .
و أختم مقالتي هذه بكلام
نقلته من كتا ب الفوائد المشوِّق إلى علوم القرآن وعلم البيان لابن قيم الجوزية
رحمه الله , حيث قال : ( روي أن يهودياً في مجلس المتوكل فأحسن الكلام , و ناظر
فعلم أنه من حملة الإعلام و ناضل فتحققوا أنه مسدد السهام فدعاه المتوكل إلى
الإسلام فأبى و أقام بفرط الإ باء على مذهب الآباء بعد أ ن بذل له المتوكل ضروباً
من الأنعام و صنوفاً من الرفعة والاكرام و راجعه في ذلك مرة بعد أخرى فلم يزده ذ
لك إلا طغياناً و كفراً فغاب عنه مدة ثم دخل إلى مجلسه و هو يعلن الإ سلام و يدين
دينه فقال لـه المتوكل : أسلمت ؟ قال : نعم . قال : ما سبب إسلامك ؟ فقال : لما
قطعت من عنقي قلادة التقليد و صرتُ من رتبة الاجتهاد إلى مرتقى ما عليه مزيد نظرت
في الأديان و طلبت الحق حيث كان فأخذت التوراة فنظرت فيها و تدبرت معانيها و
كتبتها بخطي و زدت فيها و نقصت و دخلت بها السوق و بعتها فلم ينكر أحد من اليهود
شيئاً , و أخذت الانجيل و زد ت فيه و نقصت و دخلت به السوق و بعته فلم ينكر أحد من
النصارى منه شيئاً , و زدت فيه و نقصت و دخلت به السوق و بعته فلم ينكر أحد من
النصارى منه شيئاً , و أخذت القرآن و قرأته و تأملته فإذا : ( إنا نحن نزلنا الذكر
وإنا لـه لحافظون ) فكتبت و زدت فيه و نقصت و دخلت السوق و بعته فنظر فيه المسلمون
فعرفوا المواضع التي زدت فيها و نقصت , و ردوا كل كلمة إلى موضعها و كل حرف إلى
مكانه , فعلمت أنه الحق لتحقيق وصفه بأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين
يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فآمنت به و صدَّ قت ما جاء به .
و الله الهادي