اللاعن الصغير! |
منال الدغيم |
إنه ليحز في النفس أن ترى الطفل لما يبلغ سن
التمييز بعد، وهو يقذف بشتام يكسره ولا يقيم حروفه، فلا يجد من بعض الوالدين
والأهل إلا ضحكا وتعجبا واستحسانا، حتى تراه يعاود الشتم مرة بعد مرة، ليصير ذلك
ديدن لسانه وعادة كلامه، فيصعب بعد ذلك الإصلاح له، ويوقع أهله في الحرج الشديد،
خاصة إذا ما وجه هذه الكلمات لأصدقاء أو غرباء، أو كبار في السن. لا شك أولا أن الوقاية خير من العلاج، والطفل
الذي جاء إلى الدنيا لا يعرف شيئا، إنه لم يقتنص هذه الكلمات النابية إلا بسماعه
لأحد ما، خاصة إذا كانت تصب في مسمعه ليل نهار من أب غاضب، أو أم مرهقة، أو أخ
غير مهتم، ومن زرع حصد. وعلاج ذلك يعود إلى مرحلة الابن العمرية، فإذا
كان في سنواته الأولى، فهَوِّلي من أمر صنيعه وشنعي فعله، وأبدي الأسف الشديد تجاهه
إذ نطق بها. في المرحلة التالية، استخدمي أسلوب الترهيب
والترغيب، هدديه بالحرمان، ورغبيه في أمر يحبه، واهتمي كثيرا بتأسيس ركيزة دينية
لهذه القضية في نفسه، بتخويفه من غضب الله والنار، وترغيبه في الجنة ووصف نعيمها
له، وتقوية جانب الإحسان لديه بمراقبة الله عز وجل، كأن تقولين: إن الله يسمعك
ويغضب لكلامك. قربي شناعة الأمر لعقله بضرب الأمثلة الحسية،
فهو في مرحلة لا يعرف بعد فيها تقدير القيم والأخلاق والمبادئ، فيحتاج إلى تشبيه
وتمثيل، قولي له مثلا: كما تحب أن يكون ثوبك نظيفا، فليكن لسانك نظيفا أيضا،
واحكي له قصصا تجسد كل مبدأ تودين أن تزرعيه في نفسه. إن حدث وسمع طفلك شخصا كبيرا يقذف بالكلمات
الشنيعة وأبدى تعجبا، فوافقيه على إنكار ذلك، وركزي في نفسه أساسا بأن الحق أكبر
من الجميع، وقد يقع في الخطيئة كل أحد، وحاولي أن تجعليه يستقل بشخصيته عن
التقليد والتبعية إلا لمثل أعلى، رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحذر من تبرير
أخطائه بوقوع الناس في ذات الأمر. نقطة مهمة! لا أنسى طفلة عذبة حزنت يوما على
والدتها إذ حرمتها من شيء، فقالت غاضبة ببحة طفولية رائعة: الله يهديك! هكذا
سمعت دعاء طيبا من في والدها أو والدتها إذا ما غضبا، فأعادته لما احتاجت إليه،
فاملئي إذن لسان أطفالك بالحق والذكر والدعاء، كي لا تنشغل ألسنتهم النقية
بالباطل والإثم! |