2022/12/28 20:27

آية السكن والمودة :صلاح الخَلْق وبقاؤه لا يتم إلا بإقرار نظام الزواج كما شرعه الله:

صلاح الخَلْق وبقاؤه لا يتم إلا بإقرار نظام الزواج كما شرعه الله:
إذا استحضرنا أنَّ ترتيب الآيات في السور القرآنية توقيفي، وأنَّ المناسبة في الأصل قائمة بين هذه الآيات، وأنَّ الإعتناء في السُّوَرِ المكَيَّةِ إنَّما هو بأصول الدِّين، وجدال المشركين بالبراهين العقليّة والآيات الكونيّة، ووضع القواعد العامّة للتّشريع في الحلال والحرام، إذا استحضرنا كل ذلك نجد أنفسنا أمام سؤال مهم ، وهو: ما علاقة الزواج بذلك السياق؟
-
لعل من وجوه الحكمة في ذلك:
لَفْت الانتباه لحقيقة يغفل عنها كثير من الناس وهي أنَّ الله شرع الزواج أساسًا لنظام الكون وعِمارته، وأنَّ أمْرَ الزواج من الأمور المهمة في الإسلام ولا يقل أهمية عن تلك المعجزات الواردة معه في ذات السياق.
وأنَّ الحفاظ على المجتمع سليمًا من الآفات والأمراض النفسية والبدنية لا يقل أهمية عن البناء الكوني.
وأن اللَّبِنة الأُولى في بناء المجتمع هي: الأسرة، التي تتكون من الزوجين؛ لذا قال الطاهر ابن عاشور (ت : 1393هـ): في هذه الآية عِظة وتذكير بنظام الناس العام ، وهو نظام الإزدواج وكينونة العائلة وأساس التناسل، وهو نظام عجيب جعله الله مرتكزا في الجبلة لا يشذ عنه إلا الشذاذ([2]).
ويؤكد شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728هـ) على أن النكاح من أوكد الصلات وأهمها، فإن صلاح الخلق وبقاءه لا يتم إلا به،..."([3]).
ولأهمية عقد النكاح والحفاظ عليه والوفاء به، وَصَفَه القرآن بالميثاق الغليظ، في قول الله تعالى : وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (سورة النساء : 21)،" أي عهدا وثيقا مؤكدا مَزِيد تأكيد، يعسر معه نقضه.
قال الزمخشريّ: الميثاق الغليظ حق الصحبة والمضاجعة. ووصفه بالغلظ لقوته وعِظَمِه. فقد قالوا: صحبة عشرين يوما قرابة. فكيف بما يجرى بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج؟" ([4]).
كما اشتد النكير على من حاول إفساد نظام الزواج، من ذلك : أن الله لعن المحَلِّلَ والمُحَلَّلَ له ، ونهت الشريعة عن العبث بأحكام الطلاق.
-
ولأن محبة الزوجين لا تقاس بمحبة غيرهما، كان التفريق بين الزوجين أعظم مقاصد الشيطان وأحب شيء إليه، كما ورد في السنة الصحيحة، وهو أيضا أعظم مفاسد السحرة ، يشير إلى ذلك قوله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}، لما في التفريق بينهما من انقطاع النسل ووقوع الزنا وفساد بني آدم ، كما أن" فيه التفرقة بين طرفي آصِرَة متينة، إذ هي آصِرَة مودة ورحمة، فإنَّ المودة وحدها آصِرَة عظيمة، وهي آصِرَة الصداقة والأخوة وتفاريعهما، والرحمة وحدها آصِرَة منها الأبوة والبنوة، فما ظنكم بآصِرَة جَمَعَتْ الأمرين، وكانت بجعل الله تعالى، وما هو بجعل الله فهو في أقصى درجات الإتقان