سياق الآية والدعوة إلى
التفكر فيما دلت عليه من آيات:
هذه الآية هي الآية الحادية
والعشرين من سورة الروم وهي سورةٌ مكية، سُمِّيَتْ بهذا الاسم لذكر الروم في أولها.
وتتضمن السورة العديد من
المقاصد أهمها: توضيح العقيدة الإسلامية في إطارها العام، والإشارة إلى أنَّ للكون
نواميسه الكبرى وقوانينه الثابتة، وأنَّ للنفس البشرية فطرتها وأطوارها.
وفي السورة دعوة للتفكر
والنظر وإعمال العقل في آيات الله الكونية والشرعية، وفيها أيضا تأكيد على أنَّ
آيات الله في الأنفس والآفاق لا يستفيد منها إلا من يُعمِل وسائل إدراكه الحسية
والمعنوية التي أنعم الله بها عليه.
وقد وردت هذه الآية ضمن ست
آيات تتحدث عن آيات كونية عظيمة ومعجزات ربانية تدل على قدرة الله، ووحدانيته،
وعظمته، وعلمه، وكمال حكمته، ورحمته وإحسانه وبِرِّه ولُطْفِه بعباده.
ابتدئت كل آية من الآيات
السِّتْ بكلمة (ومن آياته) تنبيها على اتحاد غرضها، والآية التي معنا هي الآية
الثانية، لاحظ – أخي الكريم- أنَّ الآية التي تسبقها تتحدث عن معجزة خلق الإنسان
من تراب، والآيات التي بعدها تتحدث عن معجزة خلق السماوات والأرض، واختلاف الألسنة
والألوان، وإرسال البرق خوفا وطمعا، وإحياء الأرض بعد موتها، وقيام السماء والأرض
بأمر الله.
"ولأجل ما تنطوي عليه الآية التي معنا من النعم
والدلائل، جُعِلت فيها آيات كثيرة، فيها من مواضع التفكر والاعتبار ما يدل على
قدرة الله وعلمه ورحمته وإتقان خلقه، وكلها مقتضية لتوحيد الله ومحبته وطاعته.
وجُعِلت الآيات لقوم يتفكرون
لأن التفكر والنظر في تلك الدلائل هو الذي يُجَلِّي كنهها، ويزيد الناظر بصيرة
بمنافع أخرى في ضمنها"([1]).