أب معلم يوثّق تجربته مع ابنته: تعليم
الشِّعر يحسن مهارات النطق والتعلم لدى الأطفال
اختبر الشاعر المدرس السوري مناف
بعاج تأثير تعلم الشعر على المهارات السلوكية لدى الأطفال وقدراتهم، بتجربة مع
طفلته مرام التي كانت تحس بالخوف من التحدث أمام الآخرين وتخشى الإجابة أمام
المعلمة والطلاب إذا تعرضت للسؤال حتى إن كانت تعرف الجواب.
وأخذ الشاعر المقيم في مدينة
إسطنبول يحفّظ طفلته التي تدرس في مدرسة تركية وأخويها أشعار أحمد شوقي، وراح يسجل
لهم مقاطع فيديو خلال الإلقاء لينشرها بعد ذلك على قناة يوتيوب.
ومع تكرار التجربة، بدأت مرام
تتشجعُ على الكلام وتقديم الإجابات لمعلمتها التي كانت تخشى الحديث أمامها قبل هذه
التجربة.
يقول بعاج إنه حفَّظ أولاده ذات
مرة قصيدة المعتمد بن عبّاد التي يقول في مطلعها "فيما مضى كنتَ بالأعيادِ
مسرورا…"، وهي القصيدة التي قالها حين زارته بناتُه في محبسه وهن يرتدين
ثيابا ممزقة حافيات القدمين، ثم سجل القصيدة مع مرام ونشر المقطع.
ويضيف أنه فوجئ في اليوم التالي
بطفلته وقد تخيلت تلك القصيدة، فرسمت لوحة جميلة للمعتمد بن عبّاد وراء القضبان،
وبناته واقفات أمامه بثيابهن البالية، واللوحة تنطق بكل ما جاء في القصيدة من معان.
لقد أثارت قصيدة ابن عباد خيال
الطفلة مرام وفجّرت مواهبها الكامنة، في خطوة يرى الوالد أنها مؤشر على دور حفظ
الشعر وروايته في تفجير مواهب الأطفال وطاقاتهم الإبداعية.
أدلة التاريخ والأدب
ويوضح بعاج -في حديثه للجزيرة
نت- أنه يمارس ذات الأسلوب من التعليم بالشعر مع طلابه في المدرسة، ويلمس تأثير
ذلك بشكل جلي على قدراتهم وتعلمهم للمهارات.
ويؤصل للتجربة برواية عن خليفة
المسلمين الفاروق عمر بن الخطاب، يقول فيها: "علّموا أبناءكم السباحة
والرماية وركوب الخيل، وروّوهم ما جمل من الشعر". كما يستشهد برواية منقولة
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، تقول فيها: "روُّوا أولادكم الشعر،
تعذُبْ ألسنتُهم".
كما يدلل الشاعر على صدق رأيه
بروايات من روائع الأدب العربي، مثل قصة زياد بن أبيه حين بعث بولده إلى معاوية
رضي الله عنه، فكاشفَه عن فنون من العلم، فوجده عالماً بكل ما سأل عنه، ثم استنشده
الشعر فقال: لم أرْوِ منه شيئا، فكتب معاوية إلى زياد يقول له: ما منعك أن
تروِّيَه الشعر؟ فوالله إن كان العاقُّ ليرويه فيبرّ، وإن كان البخيل ليرويه
فيسخو، وإن كان الجبان ليرويه فيقاتل.
كما يروي بعاج أنه لمّا مات
للخليفة أبي جعفر المنصور ابنه جعفر، وعاد الناس من جنازته، قال المنصور لحاجبه:
يا ربيع، انظر في أهلي من يُنشدني "أمن المنونِ ورَيبِها تتوجَّعُ .. والدهر
ليس بمعتبٍ مَن يجزع"، حتى أتسلّى عن مصيبتي. فخرج إلى بني هاشمٍ وكلهم
حضور فسألهم عنها فلم يكن فيهم أحد يحفظها، فعاد فأخبره، فقال: والله، مصيبتي
بأهلي أن لا يكون فيهم أحد يحفظ هذه القصيدة، لقلّة رغبتهم في الأدب، أعظمُ وأشدُّ
عليَّ من مصيبتي بابني.
التربية الحديثة
يقول بعاج إن من مبادئ التربية
الحديثة: "ما نُسي شيءٌ احتالت عليه حاسّتان أو أكثر"، موضحا أن هذا
المبدأ يعمل به الآن في المدارس، حيث يطالَب المعلم بتنويع طرائق تدريسه؛ لأنَّ
بين طلابه أنماطا متعددة، فمنهم البصري، ومنهم السمعي، ومنهم النفس-حركي وغير ذلك.
ويضيف أن الشعر يؤدي هذا الغرض،
حيث تجتمع فيه الصور والأخيلة والعواطف والوزن والإيقاع، وخاصةً الشعر المناسب
لأعمار الأطفال والناشئة.
وقد مارس الشاعر السوري التعليم
بالشعر مع طلابه الصغار، ومع طلابٍ أعاجم حين كان يدرس اللغة العربية لغير
الناطقين بها، فكان يتخير لهم القصائد من "ديوان الأطفال" لأحمد شوقي،
وهي قصائد في آخر ديوانه على ألسنة الحيوانات، يذكر في كل قصيدة قصةً فيها حوار
لطيف، تنتهي بحكمة جميلة، كقصيدة "الثعلب والديك" التي تنتهي بقوله:
"مخطئٌ
من ظنَّ يوماً .. أنَّ للثعلب دِيناً"
ويشير بعاج إلى أنه قرأ في كتاب
"فنّ الخطابة" لديل كارنيغي أنه معجب بطريقة أحمد شوقي في سرده القصص،
ليختمها بالحكمة أو المثل.
ومن المعلوم -وفقا لبعاج- أنّ
تعلُّم كل لغة يمر بمراحل أربع هي: الاستماع ثمّ التحدّث ثمّ القراءة ثمّ الكتابة،
فمن سمع كلاماً بليغاً فسوف ينطق كلاماً بليغاً.
ويقول: "لذلك حين خالط
العربُ المسلمين من غيرهم لم يتأثر المسلمون الأوائل، لكنَّ الأثر بدأ يظهرُ في الأولاد
الذين صاروا يسمعون كلاماً مكسّراً، وكذلك فالأصمّ يكون أبكم، لأنّه لا يسمع
كلاماً فلا ينطق".
وقد مارس الشاعر السوري التعليم
بالشعر مع طلابه الصغار، ومع طلابٍ أعاجم حين كان يدرس اللغة العربية لغير
الناطقين بها، فكان يتخير لهم القصائد من "ديوان الأطفال" لأحمد شوقي،
وهي قصائد في آخر ديوانه على ألسنة الحيوانات، يذكر في كل قصيدة قصةً فيها حوار
لطيف، تنتهي بحكمة جميلة، كقصيدة "الثعلب والديك" التي تنتهي بقوله:
"مخطئٌ
من ظنَّ يوماً .. أنَّ للثعلب دِيناً"
ويشير بعاج إلى أنه قرأ في كتاب
"فنّ الخطابة" لديل كارنيغي أنه معجب بطريقة أحمد شوقي في سرده القصص،
ليختمها بالحكمة أو المثل.
ومن المعلوم -وفقا لبعاج- أنّ
تعلُّم كل لغة يمر بمراحل أربع هي: الاستماع ثمّ التحدّث ثمّ القراءة ثمّ الكتابة،
فمن سمع كلاماً بليغاً فسوف ينطق كلاماً بليغاً.
ويقول: "لذلك حين خالط
العربُ المسلمين من غيرهم لم يتأثر المسلمون الأوائل، لكنَّ الأثر بدأ يظهرُ في
الأولاد الذين صاروا يسمعون كلاماً مكسّراً، وكذلك فالأصمّ يكون أبكم، لأنّه لا
يسمع كلاماً فلا ينطق".
العلوم التربوية
تشير دراسة بحثية نشرت على موقع
سكولر بيس (Scholar Base) -وهو
مجمع نشر بحثي إلكتروني ماليزي- إلى أن للشعر 5 فوائد على تعليم الأطفال، هي تطوير
القدرة على صناعة الإيقاع، وتنمية الوعي الصوتي للطفل، وتطوير مهارات الحفظ،
وتطوير القدرة في التعبير عن الذات، وتنمية الوعي الجسدي للمتعلم.
ويرى الباحث الأكاديمي في العلوم
التربوية بالجامعات الماليزية وائل مسلماني، أن الشعر -باعتباره يصف شكلا من أشكال
المعرفة- ظل لرصانة محتواه الأدبي يملك القدرة والمرونة العالية على نقل الأفكار
والظواهر المعرفية عبر رحلة الزمن الطويلة.
ويقول مسلماني إن توظيف الشعر في
الأحداث الاجتماعية والثقافية والدينية جعله أحد المداخل الأساسية لفلسفة المجتمع
وأنماطه التربوية، وهو ما يفسر اضطلاع الشعر العربي قديما بدور فريد في انسجام
العلاقة بين العلم والتربية من خلال لفظه الجزل وقوله الفصل ومنطقه البيِّن الذي
جاء بمثابة أداة ناقلة للمنظومة المعرفية والقيمية والأخلاقية.
ويعتقد مسلماني -الذي تحدث
للجزيرة نت- أن العلاقة الممتدة بين الشعر والتربية تقدم آفاقا تسهم في بناءِ
شخصيّة النشء ورفع مستواه الثقافي وتأهيلِه لتصور الحياة.
كما يرى أن التصوير الحي الذي
يوظفه الشعر في أبياته، يسهم في بلورة التأمل المعرفي لدى الناشئة وما يرتبط به من
انفتاح فكري يحتاجونه للإضافة والابداع.
خزان التعليم
ويشير مسلماني إلى أن الشعر قد
يتجاوز بنسيجه اللغوي الرصين حدود الكتب المدرسية التي تمثل مصدرا نظريا مجردا
للمعرفة، فيقدم مزيجا عريضا من التصوير والخيال المحسوس يرتبط بتوسيع مدركات
الناشئة ولياقتهم العقلية.
كما يرى أن هذا الأسلوب في
التعليم لا يقتصر على النظم والنثر بل يتجاوز ذلك وصولا للفن المسرحي والقصة
والمحاكاة، وغيرها من المفردات التي يمكن توظيفها في سياقات الأنشطة المدرسية غير
المنهجية.
ويوضح مسلماني أن نشوء الشعر في حضن الفن البلاغي يؤسس لدى متعلميه
خزانا لغويا فريدا، يسهم في إثراء حديثهم وملكتهم الخطابية.
لكنه يوضح أن تعلم الشعر قد لا يرتبط مباشرة بحل الإشكالات النطقية
لدى الأطفال، غير أنه يعد مصدرا مهما للبدائل والمرادفات اللغوية التي ربما قد تساعد
في تحسين الإشكالات اللفظية لدى بعضهم، باعتباره وسيلة لتفصيح اللسان بما يمثله من
علم شفهي فيه نظم ومحاكاة وضبط للوزن والقافية.
المصدر : الجزيرة