وأصبحت الصورة العامة للناشئ
المسلم في بلاد الإغتراب –إلا من رحم الله – أنه فاقد القدوة الحسنة في المنزل،
فيرى أباه وأمه وإخوته الكبار على جملةٍ من المخالفات الشرعية قولاً وعملاً،
فيتأثر بهذه المخالفات ويقلدها، ويظنها حقاً، وما عداها باطلاً، ثم يُفاجَأ
الوالدان بأن شخصية هذا الناشئ قد تبلورت على خلاف ما كانا يرجوان له من خيرٍ، رغم
أنهما السبب في ذلك.
نعم.. يظهر أثر القدوة في
نفس الولد والبنت في زمن الصغر، ويظهر ذلك بانطباعه على نقش الذاكرة ويظل معيناً
دائماً لا ينضب في نفس الناشئ حتى يكبر.
ولا شك أنه من صور الإجحاف
والظلم للنبت الصغير تركه في العراء بلا تعهد ولا رعاية، حيث ينشغل الوالد
والوالدة تماماً عن الفتاة والصبي، فلا مشاركة وجدانية، ولا علاقة حميمة، ولا
متابعة للأخلاق والسلوك ولا تقويم ولا تهذيب ، إنما يعملون كل جهدهم في حصول الأولاد
على أكبر قدرٍ من الرفاهية في المسكن والمأكل والملبس وشتى المطالب المادية، وهذا
شيء مطلوبٌ وحيوي، ولكنه لا يكفي وحده في بناء ناشئة الإسلام في بلاد الغربة على
الخصوص.
ومع انشغال الوالدين تبدو
بوارق الخطر؛ إذ تتدخل عوامل خارجية هدّامة تعمل عمل السُّمِّ في نفسية الناشئ
كالإعلام المرئي والمقروء المجرد عن أي حياءٍ والاختلاط الإباحي في كل مكان، وأثر
الصديقات والأصدقاء، وتبرز من جراء ذلك ثمراتٌ كأنها رؤوس الشياطين، لعل أهمها
ضياع معنى الشرف والطهارة وإهدار منظومة القيم والمثل الإسلامية وانحراف المزاج
الشخصي بالركون – أحياناً – إلى الشذوذ والمخدرات وبقية الثمرات المرة، وكلها من
سخائم المجتمع الغربي، وكل ذلك من وراء إهمال الوالديْن للأولاد، ونحن نؤكد باسم
الإسلام على هذه المسؤولية ، فعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال : سمعت
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: { كلكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته؛ فالإمام راعٍ
ومسؤولٌ عن رعيته، والرجل في أهله راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها
راعيةٌ ومسؤولةٌ عن رعيتها، والخادم في مال سيده راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته. فكلكم
راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته} (البخارى2751 بسند صحيح).
أرأيت – يا أخي– كيف أنك
مسؤولٌ أمام الله تعالى عن أولادك؟ فأنت لهم كالراعي الذي يحدو لهم مواطن الخير
ويدخلهم فيها، ويحذرهم من مواطن التهلكة والضرر عملاً بقول الله تعالى { يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا
النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ }(التحريم: من الآية6) ، فليس كل المهم أن ينجو المؤمن من
العذاب وحده، بل عليه أيضاً أن يحرص على الفرار من النار بكل أهله، والأولاد أهم
أهله وقرابته.