تعدّدت الأساليب التربويّة
في القُرآن الكريم، وفي السُنّة النبويّة، وتنوّعت؛ وذلك من حكمة الله -تعالى- في
مُعالجته النفسَ البشريّة؛ حتى يتربّى الإنسان من خلالها على تعديل سُلوكه؛
فيرتقيَ بنفسه، إذ إنّ كُلّ أُسلوبٍ منها ينفذ إلى نفس الإنسان من خلال أحد
منافذها، ممّا يُؤدّي في النهاية إلى الانتفاع بهذه الأساليب كلّها، والتي منها ما
يأتي:
1- التربية بالعِبرة والمَوعظة: إذ قال -تعالى-:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ
لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)، وهذا الأسلوب يُربّي
النفسَ البشريّةَ على العقيدة، والأخلاق، ويُبيّن له واجباته من خلال أُسلوبٍ لطيف.
2- التربية بالقِصّة القُرآنيّة: وقد قال -تعالى- عن
القِصّة القُرآنية: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ). وهي من أكثر الأساليب تشويقاً وفعالية
في تعديل السلوك، وخاصّةً أنّها ذاتُ أغراضٍ أخلاقيّة.
3- التربية بالقُدوة الحَسَنة: إذ يُربّي القُرآن
المُسلمَ على الاقتداء بغيره من الأنبياء والرُّسُل -عليهم السلام-؛ فيبرأ المسلم
من الشِّرك، والمُشركين، كفِعل نبيّ الله إبراهيم -عليه السلام-، ويصبر كفِعل نبيّ
الله داود -عليه السلام-، وهكذا يتعامل مع الأنبياء جميعهم، ويُشار إلى أنّ الله
-تعالى- بعد أن ذكَرَ عدداً من الأنبياء في القُرآن الكريم، قال: (أُولَٰئِكَ
الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ)، فيلتزم المسلم بالدعوة إلى
الحقّ، وعدم اتِّباع أولياء الشيطان.
4- التربية بالترغيب والترهيب: ويتعامل القُرآن بهذا
الأُسلوب بالقَدر الذي يُقوِّم به النفسَ البشريّة؛ ليسير المسلم على رضا الله
-تعالى، ويفوز بجنّته، وينجو من عقابه، وهُما أمران مُتلازمان؛ فمِن الناس مَن لا
يؤثّر فيه إلّا الخوف، ومِنهم مَن لا يُؤثّر فيه إلّا الترغيب والثواب، ويظهر ذلك
واضحاً في آيات كثيرة من القُرآن، كقوله -تعالى-: (وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ*وَالَّذِينَ
كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)
5- التربية بالتدرُّج: إذ يستخدم القرآن هذا الأسلوب
في التربية الإسلاميّة؛ فقد نزل القُرآن مُفرَّقاً؛ فبدأ بذِكر الجنّة والنار،
ثُمّ الحلال والحرام، وهذا ما أشارت إليه السيدة عائشة -رضي الله عنها- فيما أخرجه
البخاري أنها قالت: (إنَّما نَزَلَ أوَّلَ ما نَزَلَ منه سُورَةٌ مِنَ
المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ والنَّارِ، حتَّى إذَا ثَابَ النَّاسُ إلى
الإسْلَامِ نَزَلَ الحَلَالُ والحَرَامُ، ولو نَزَلَ أوَّلَ شيءٍ: لا تَشْرَبُوا
الخَمْرَ، لَقالوا: لا نَدَعُ الخَمْرَ أبَدًا، ولو نَزَلَ: لا تَزْنُوا، لَقالوا:
لا نَدَعُ الزِّنَا أبَدًا)؛ وفي ذلك إشارة إلى الحكمة الإلهيّة في ترتيب تنزُّل
القرآن الكريم؛ وذلك لتطمئنّ النفس البشريّة بِما أُنزِل إليها من أحكام؛ لأنّ النفسَ
مجبولة على النفور من تَرك المَألوف
6- التربية بالعِبرة وضَرب الأمثال: إذ تُؤثّر
العبرة في الحِسّ الإنسانيّ، وتدعو الإنسان إلى التفكُّر، وهو أحد الأساليب
القُرآنيّة العظيمة؛ قال -تعالى-: (وَإِنَّ لَكُم فِي الأَنعامِ لَعِبرَةً
نُسقيكُم مِمّا في بُطونِهِ مِن بَينِ فَرثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خالِصًا سائِغًا
لِلشّارِبينَ*وَمِن ثَمَراتِ النَّخيلِ وَالأَعنابِ تَتَّخِذونَ مِنهُ سَكَرًا
وَرِزقًا حَسَنًا إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَعقِلونَ)؛ أي أنّ الأكل الذي
يدخل في بطونها يسري إلى مكانه بعد أن يتمّ امتصاصه في المعدة دون أن يختلط بغيره،
أو يتغيّر به؛ فيصير إلى دم يسري في العروق، ولبن يسري إلى الضرع، وروث يسري إلى
المخرج، وبول يسري إلى المثانة، وهكذا حتى يخرج في النهاية لبناً صافياً غير
مُمتَزِجٍ بغيره، وتُضرَب الأمثلة في القرآن الكريم؛ كي تُؤخَذ منها العِبرة، ويتدبّر
المسلم فيها، كما في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ
فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَن يَخْلُقُوا
ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا
يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)