يتمحور معنى التربية في
اللغة حول إصلاح أمور المتربّي، والاعتناء به، وتقديم الرعاية له بشكل دائم
ومتعاهد، وقد جاء مصطلح التربية وبعض ما يماثله من المشتقات على معانٍ متقاربة في
القرآن الكريم؛ فوردت كلمة التربية في كتاب الله -تعالى- بمعنى العلم، والحكمة،
والتعليم، قال الله -سبحانه وتعالى-: ( وَلَـٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا
كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ)، قال ابن عباس -رضي
الله عنه-، وغيره من أهل العلم في تفسير هذه الآية: والعنى المراد أن يكونوا
حكماء، وعلماء، وحلماء، وقال الضحّاك -رحمه الله تعالى- تعني تعلِّمون الكتاب أي
تُفهِّمون، وتأتي التربية أيضاً بمعنى الرعاية، قال الله -جل وعلا-: (وَاخفِض
لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني
صَغيرًا)، وكذلك ما جاء في قول فرعون لموسى -عليه السلام-، في قوله -تبارك
وتعالى-: (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ
عُمُرِكَ سِنِينَ)، والمقصود؛ أي أمَّا أنت يا موسى فقد ربّيناك في بيوتنا،
وأجلسناك على فُرُشنا، واعتنينا وأنعمنا عليك عدّة سنين من عمرك؛ فجاءت التربية
بمعنى العناية بالشيء، وتقديم الرعاية له.
وأمَّا في الاصطلاح الشرعي
فقد عرّفها البيضاوي بقوله: تأتي كلمة الربّ في الأصل بمعنى التربية، وهي الوصول
بالشيء إلى درجة الكمال عن طريق التدرّج في ذلك شيئاً فشيئاً، وقال الراغب
الأصفهاني في تعريف التربية: التربية هي أصل معنى كلمة الرب، وهي تنشئة الشيء درجة
فدرجة حتّى يبلغ مرتبة الكمال والتمام، كما وتعرّف التربية الإسلامية بأنّها
اتّباع المنهج الإسلامي في تنشئة الفرد المسلم، بطريق التدرّج، وبشكل يشمل جميع
جوانبه، وذلك لتحقيق السعادة له في الدنيا والآخرة، وللتربية الإسلامية مصادر
أساسية تستمد منها منهجها، وهذه المصادر على النحو الآتي:
1- القرآن الكريم: يعدّ القرآن الكريم أهمّ مؤثّر في
تربية نفس النبي -صلى الله عليه وسلم-، وصحابته الكرام -رضي الله عنهم-؛ فقد قالت
عائشة -رضي الله عنها- في وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (كان خُلُقُه
القُرآنَ)؛ فكانت حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- في جميع جوانبها تسير وفق تربية
القرآن الكريم ومنهجه، وأمَّا الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-؛ فقد كان تعلّمهم
للقرآن الكريم مقروناً بالعمل به، وتطبيق ما جاء فيه؛ فكان للقرآن الكريم أثر واضح
عظيم في تربية نفوسهم وإصلاحها، وذلك لما يمتاز به القرآن الكريم من روعة في
أسلوبه، ومخاطبته للعقل بشكل يثير العاطفة الإنسانيّة، ويتماشى مع فطرتها السليمة.
2- السنة النبوية: تعدّ السنة النبويّة هي الموضّح
والمكمّل لما ورد في القرآن الكريم؛ فقد جاءت السنّة النبويّة لتوضيح المنهج
التربوي الذي جاء به القرآن الكريم، ولبيان الأسلوب التربويّ للنبي -صلى الله عليه
وسلم- الذي سار عليه في حياته، وتعامل به مع أفراد المجتمع المسلم، وقد اتّبع
النبي -صلى الله عليه وسلم- أسلوباً تربويّاً فريداً راعى فيه جميع طبقات المجتمع
المسلم؛ فاعتنى بالفروق الفرديّة والعمريّة بين النّاس، كما وراعى طبيعة المرأة
الأنثويّة، وطبيعة الرجولة في الذكور، واعتنى بكبار السن والأطفال، كما اهتمّ
بتنمية طاقة العقل والجسم والروح، واستعمالها في الموضع المناسب، وقد تصدّر بعض
العلماء لجمع الأحاديث النبويّة التي اعتنت بتربية النفس الإنسانيّة، وأفردوها
بكتب مستقلّة؛ كالإمام عبد العظيم المنذري في كتابه الترغيب والترهيب، والإمام
البخاري في كتابه الأدب المفرد، والإمام ابن القيم الجوزية في كتابه تحفة المودود
في أحكام المولود.