الوصية بالإحسان إلى الأنصار :
الأنصار في اللغة: (جمع نصير
وناصر) هم الأتباع والمدافعون، وفي القرآن الكريم {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ
أَنْصَارٍ} (سورة البقرة : من الآية 270) .
والمقصود بالأنصار هنا: أهل
مدينة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الذين نصروه حين هاجر من مكة إليهم في
المدينة، وهم خلاف المهاجرين الذين هاجروا من مكة إلى المدينة، وقد ورد ذكرهم في
القرآن الكريم ، في نحو قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ
وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ} (التوبة: 117).
كما اهتمت بهم كتب السنة،
فالإمام البخاري وضع كتاباً في صحيحه بعنوان: كتاب: مناقب الأنصار، وذكر تحته
بَابُ حُبِّ الأَنْصَارِ، وباب مناقب الأَنْصَارِ، وبَابُ وُفُودِ الأَنْصَارِ...،
كذا فعل الإمام مسلم ، حَيْثُ بَوَّبَ في صحيحه : بَابُ مِنْ فَضَائِلِ
الْأَنَصَارِ، بَابٌ فِي خَيْرِ دُورِ الْأَنْصَارِ، بَابٌ فِي حُسْنِ صُحْبَةِ
الْأَنْصَارِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ..
وقد اهْتَمَّ النبي صلى الله
عليه وسلم بشأنهم لدرجة أنه في اليوم الخامس من مرضه أي قبل وفاته بخمسة أيام أوصى
أصحابَه وأمَّته بهم، ففي الصحيحين أنَّ أبا بكر الصديق مرَّ بمجلس من مجالس
الأنصار وهم يبكون، فقال: ما يُبكيكم؟ قالوا: ذَكَرْنا مجلسَ النبيِّ - صلى الله
عليه وسلم- مِنَّا، فدخل أبو بكر على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-، فأخبره بذلك،
قال: فخرج النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- وقد عصبَ على رأسه بعصابة، فصعِد المنبر
- ولم يصعده بعد ذلك اليوم - فحمدَ الله وأثنى عليه، ثم قال: أوصيكم بالأنصار،
فإنهم كَرِشي وعَيْبَتي، وقد قَضَوْا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقْبَلوا مِن
مُحسنهم، وتجاوزوا عن مُسيئهم»
([1]).
ومعنى (ذَكَرْنا مجلس النبي
صلى الله عليه وسلم) أي الذي كانوا يجلسونه معه ، وكان ذلك في مرض موته، فخشوا أنْ
يموت من مرضه هذا فيفقدوا مجلسه، فبكوا حزناً على فوات ذلك([2]).
ومعنى (الأنصار كَرِشي
وعَيْبَتي): أي جماعتي وخاصتي الذين أثق بهم وأعتمدهم في أموري، ضرب مثلا
بالكَرِش-وهو من الحيوان بِمَنْزِلَة الْمعدة للْإنْسَان-لأنه مستقر غذاء الحيوان
الذي يكون به بقاؤه ، والعَيْبَة وعاء معروف يحفظ الإنسان فيها ثيابه وفاخر متاعه
ويصونها، ضربها مثلا لأنهم أهل سِرِّهِ وخَفِيِّ أحواله([3]).
قوله ( وقد قضوا الذي عليهم
وبقي الذي لهم): يشير إلى ما وقع لهم ليلة العقبة من المبايعة، فإنهم بايعوا على
أنْ يؤوا النبي صلى الله عليه وسلم وينصروه على أنَّ لهم الجنة، فَوَفَوْا بذلك([4]).