2022/12/29 08:19

الشحُّ بالمال، ومنع حقوق الله ، وحقوق عباده.

الشحُّ بالمال، ومنع حقوق الله ، وحقوق عباده.
الشُّحُّ هو شدة الحرص على الشيء والإحفاء في طلبه، والاستقصاء في تحصيله، وجشع النفس عليه، والبخل منع إنفاقه بعد حصوله وإمساكه، والشح كامن في النفس، فمن بخل فقد أطاع شحه، ومن لم يبخل فقد عصى شحه ووقي شره وذلك هو المفلح ([7]).
والشُّحُّ من أسباب هلاك الأمم وخراب الديار، فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «اتقوا الظلم، فإن الظُّلم ظُلماتٌ يوم القيامة، واتقوا الشُّحّ، فإنه أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دِماءهم واستحلّوا محارمهم»([8]).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ بِالشُّحِّ، أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخَلُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا" ([9]).
قال الماوردي (المتوفى: 450هـ): ينشأ عن الشح من الأخلاق المذمومة أربعة أخلاق: الْحِرْصُ وَالشَّرَهُ وَسُوءُ الظَّنِّ، وَمَنْعُ الْحُقُوقِ:
فَأَمَّا الْحِرْصُ فَهُوَ شِدَّةُ الْكَدْحِ وَالْإِسْرَافِ فِي الطَّلَبِ.
وَأَمَّا الشَّرَهُ فَهُوَ اسْتِقْلَالُ الْكِفَايَةِ، وَالِاسْتِكْثَارُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الْحِرْصِ وَالشَّرَهِ.
وسوء الظن: عدم الثقة بمن هو أهل لها.
وَأَمَّا مَنْعُ الْحُقُوقِ فَإِنَّ نَفْسَ الْبَخِيلِ لَا تَسْمَحُ بِفِرَاقِ مَحْبُوبِهَا. وَلَا تَنْقَادُ إلَى تَرْكِ مَطْلُوبِهَا، فَلَا تُذْعِنُ لِحَقٍّ وَلَا تُجِيبُ إلَى إنْصَافٍ.
وإذا آلَ الْبَخِيلُ إلى ما ذكر من هذه الصفات المذمومة والشيم اللئيمة لَمْ يَبْقَ مَعَهُ خَيْرٌ مَرْجُوٌّ وَلَا صَلَاحٌ مَأْمُولٌ.. ([10]).
وقال العلامة المناوي (ت: 1031هـ):
فالبخل مطلق المنع، والشح المنع مع ظلم، وعطف الشح الذي هو نوع من أنواع الظلم اشعارا بأن الشح أعظم أنواعه، لأنه من نتائج حب الدنيا ولذاتها .... وإنما كان الشح سبب ما ذكر لأن في بذل المال والمواساة تحاببا وتواصلا، وفي الإمساك تهاجر وتقاطع ، وذلك يجر إلى تشاجر وتغادر من سفك الدماء واستباحة المحارم.
ومن السياق عُرِف أن مقصود الحديث بالذات ذكر الشح، وأما ذكر الظلم فتوطئة وتمهيد لذكره، وأبرزه في هذا التركيب إيذانا بشدة قبح الشح، وأنه يفضي بصاحبه إلى أفظع المفاسد، حيث جعله حاملا على سفك الدماء الذي هو أعظم الأفعال الذميمة وأخبث العواقب الوخيمة، قال بعض الحكماء: الشح مسابقة قدر الله، ومن سابق قدر الله سُبِق ، ومغالبة لله ومن غالب الحق غُلِب ، وذلك لأن الحريص يريد أن ينال ما لم يقدر له ، فعقوبته في الدنيا الحرمان، وفي الآخرة الخسران ([11]).
وقد ذكر الإمام القرطبي في تفسيره عن بعض الحكماء أن الشح أضر من الفقر، لأن الفقير إذا وجد شبع، والشحيح إذا وجد لم يشبع أبدا .