التسخط والجزع وما يترتب
عليهما .
عادة ما تصاب الاسر المؤمنة
بمصيبة الموت ومصائب اخرى، والبعض يقلُّ ايمانه فيعتلي جزعه ويسخط، فيقع بامور
حرَّمها الشرع الحنيف، ومنها:-
النياحة، والدعوى بدعاء
الجاهلية ، وشق الجيوب ، وضرب الخدود، ورفع الصوت عند المصيبة، والويل والدعاء به،
والنعي المحرم.
روى الامام مسلم عن ابي مالك
الاشعري رضي الله عنه أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « أَرْبَعٌ
فِى أُمَّتِى مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِى
الأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِى الأَنْسَابِ وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ
وَالنِّيَاحَةُ ». وَقَالَ: « النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا
تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ
جَرَبٍ ».
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي
الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « اثْنَتَانِ فِى
النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ الطَّعْنُ فِى النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى
الْمَيِّتِ ».
فالنياحة على الميت من امور
الجاهلية، وكذا الإسعاد: وهو المعونة على النياحة والاجتماع لاجلها، وكانوا ايضا
الجاهليون، يرسلون بخبر الميت على ابواب الاحياء والاسواق، او يركب المخبر على
دابة ويصيح في الناس ، وهذا ما يدعى بالنعي وهو النوع المحرم خصوصا اذا كانت
الدعوة بنياحة النائح.
كل هذه الافعال حرَّمها
النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي ارشد فيه امته، كله كان لصلاح ديننا
ودنيانا، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية » متفق عليه.
ولما وجع أبو موسى وجعا غشي
عليه، ورأسه في حجر امرأة من أهله، فلم يستطع أن يرد عليها شيئا فلما أفاق قال: أنا
بريء ممن برىء منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بريء من الصالقة والحالقة والشاقة. متفق عليه. و( الصالقة ) هي التي ترفع صوتها
عند المصيبة من الصلق وهو الصياح والولولة و( الحالقة ) التي تحلق شعرها عند
المصيبة ويمكن أن يقاس عليها بالمقابل وهو من يمتنع عن حلق شعره المعتاد عند
المصيبة ( الشاقة ) التي تشق ثيابها عند المصيبة ، من كل اولئك بري نبي الاسلام
عليه الصلاة والسلام.
والعودة الى ما فات لا
يحَسُن الا لذكرى واعتبار، اما لتجديد الحزن ، وتنكيء جرح فهذا ما يرديك في جملة
المنافقين ومرضى القلوب ، وما اكثرهم اليوم بيننا ، شافاهم الله.
قال العلماء : الناس حال
المصيبة على مراتب أربع:
المرتبة الأولى: التسخط، وهو
على أنواع: النوع الأول: أن يكون بالقلب، كأن يتسخّط على ربه يغتاظ مما قدره الله
عليه، فهذا حرام وقد يؤدي إلى الكفر، قال تعالى: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ
اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ
فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ [الحج:11]. النوع
الثاني: أن يكون التسخّط باللسان، كالدعاء بالويل والثبور وما أشبه ذلك، وهذا
حرام. النوع الثالث: أن يكون التسخّط بالجوارح، كلطم الخدود وشق الجيوب ونتف
الشعور وما أشبه ذلك، وكل هذا حرام مناف للصبر الواجب.
المرتبة الثانية: الصبر،
فيرى أن هذا الشيء ثقيل عليه، لكنه يحتمله، وهو يكره وقوعه، ولكن الصبر يحميه من
السخط، فليس وقوعه وعدمه سواء عنده، وهذا واجب؛ لأن الله تعالى أمر بالصبر فقال:
(وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) [الأنفال:46].
المرتبة الثالثة: الرضا، بأن
يرضى الإنسان بالمصيبة، بحيث يكون وجودها وعدمها سواء، فلا يشق عليه وجودها ولا
يتحمل لها حملاً ثقيلاً، وهذه مستحبة وليست بواجبة على القول الراجح، والفرق بينها
وبين المرتبة التي قبلها ظاهر؛ لأن المصيبة وعدمها سواء في الرضا عند هذا، أما
التي قبلها فالمصيبة صعبة عليه، لكن صبر عليها.
المرتبة الرابعة: الشكر، وهو
أعلى المراتب، وذلك بأن يشكر الله على ما أصابه من مصيبة، حيث عرف أن هذه المصيبة
سبب لتكفير سيئاته، وربما لزيادة حسناته، قال : ((ما من مصيبة تصيب المسلم إلا
كفَّر الله بها عنه، حتى الشوكة يُشاكُها))".