2022/12/31 17:04

ما أَحْوَجَنَا اليوم إلى الرجوع إلى القرآن الكريم

ما أَحْوَجَنَا اليوم إلى الرجوع إلى القرآن الكريم ، لا لِنتلوه ، ولا لِنَحْكم به ، ولا لِنستمع إليه ، ولا لِنتدبره ، ولا لِنَحفظه ، ولا لِنُبَيِّن وجوه إعجازه ولا لِنَدْرِسَه ونقف على بَعْض أسراره ، وإنَّمَا لِجَمِيع ذلك وغَيْرها مِنْ أسرار القرآن وعجائبه التي لا تنقضي ..
ففي الحديث الذي يعدِّد بَعْض أنواره وأسراره { فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، لَيْسَ بِالْهَزْلِ ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَنُورُهُ الْمُبِينُ وَالذِّكْرُ الْحَكِيمُ ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ ، وَهُوَ الَّذِي لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ ، وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ ، وَلاَ تَتَشَعَّبُ مَعَهُ الآرَاءُ ، وَلاَ يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ ، وَلاَ يَمَلُّهُ الأَتْقِيَاءُ ، وَلاَ يَخْلَقُ بِكَثْرَةِ الرَّدِّ ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُه }] يُرَاجَع : سُنَن الدارمي 2/526 ومشكاة المصابيح 1/661[.
لقدْ وقف المسلِمون الأُول مِنْ سلف هذه الأُمَّة على دُرَر القرآن الكريم ورسالته ، فطبعوا طبائعهم وسلوكهم بمنهجه ، وتعلَّموا مِنْ مأدبته ، وتأدَّبوا بأدبه ؛ ففي الحديث { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ ؛ فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ .. إِنَّ هَذَا حَبْلُ اللَّهِ ، وَهُوَ النُّورُ الْمُبِينُ وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ ، عُصِمَ مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ ، وَنَجَا مَنِ اتَّبَعَهُ ، لاَ يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ ، وَلاَ يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبُ ،وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُه }.
]
أَخْرَجَه الدارمي 2/525 وابن أبي شيبة 6/125 وعبد الرزاق 3/375 [.

وفي ذلك يقول القرطبي رحمه الله تعالى :" شبّه القرآن بصنيع صنعه الله عزّ وجلّ لِلناس لهم فيه خَيْر ومَنَافع ثُمّ دعاهم إليه ، يقول " مأدَبَة " و" مأدُبَة " : فمَنْ قال " مأدُبة " أراد الصنيع يَصنعه الإنسان فيدعو إليه الناس ، ومَنْ قال " مأدَبة " فإنّه يذهب به إلى الأدب يَجعله " مفعلةً " مِنَ الأدب " ا.هـ . ]تفسير القرطبي 1/6 [.
ولِذَا فإنّ العرب المسلِمين السابقين في الإسلام أول مَنْ تأدَّبوا بأدب القرآن ، وإن استطعتَ أنْ تُعَبِّر بمَنْ رَبَّوْا أنفُسَهم وفْق منهج السماء عِنْدما تَمَسَّكوا بالكتاب والسُّنَّة فسادوا الدنيا وملأوا الأرض نوراً وعدلاً ، وعمروها بنشر راية التوحيد وإبادة ظلمات الكفر والشِّرْك والجاهلية والعداوة والبغضاء ، فأصبحوا بنعمة الله تعالى موحّدين إخواناً متحابين ، أقوالهم وأفعالهم وأخلاقهم متسقة ومستمدة مِنَ الكتاب والسُّنَّة .
لقد كان للقرآن الكريم – وما زال وسيظل بإذن الله تعالى إلى قيام الساعة – الأثر الأقوى والأول في تقوية روابط الإيمان بالله عزوجل وترسيخ عقيدة التوحيد والدعوة إلى كل خلق فاضل وكريم والنهي عن رذائل الأخلاق ومساويها , بدا ذلك واضحا عند نزول القرآن بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلمفأثر التأثير الإيماني والسلوكي في أخلاق العرب وعاداتهم وسلوكهم وعقيدتهم وكذا غير العرب في عصر الإسلام الأول وفي عصوره المتتالية حتى إذا وصلنا إلى عصرنا الحاضر تأكيدا لهذا الدور القرآني حينما يقدم الكثيرون من العلماء والمفكرين والباحثين على اعتناق الإسلام بعد وقوفهم على بعض الإعجازات العلمية للقرآن أو حتى مجرد الوقوف على ترجمة معاني القرآن الكريم . ولذا فإنا سنوجز هذا الأثر في سلوك العرب وغير العرب وغير المسلمين في عصرنا الحاضر فيما يلي :
أولا :أثر القرآن الكريم في سلوك العرب
إذا أردنا أن نقف على أثر القرآن الكريم في سلوك العرب فإنا نلحظه على مستويين :
مستوى الأفراد ومستوى جماعة العرب .