2022/12/31 13:10

رب همة احيت امة :الموقف الثالث

الموقف الثالث:
وهو موقف الصحابي الجليل: نعيم بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فقد أسلم في غزوة الأحزاب، التي صور الله حالة الصحابة فيها بالقرآن تصويراً واضحاً، وكيف أن الكفار أحاطوا بمدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبصحابته الكرام، وجنده الأبرار إحاطة السوار بالمعصم، فقال - تعالى - : {إذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْـحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْـمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا} [الأحزاب: 10 - 11].

وقد بانت في هذه الغزوة صورة المنافقين الكالحة، وصفاتهم القبيحة؛ حيث قالوا: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلاَّ غُرُورًا} [الأحزاب: 12].

وفي معترك الأحداث التي اشتبكت فيها الأمور، واختلط فيها الحابل بالنابل، صنع الله - تبارك اسمه - كما قال ابن القيم في زاد المعاد (3 / 273) أمراً من عنده، خذل به العدو، وهزم جموعهم، وَفَلَّ حَدَّهُمْ، فكان مما هيأ الله من ذلك: أن رجلاً من غطفان يقال له: نعيم بن مسعود بن عامر ـ رضي الله عنه ـ جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يا رسول الله! إني قد أسلمت؛ فمرني بما شئت».

ولم يكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يقبل إسلام ذلك الصحابي الجليل، ثم قال له بعد أن طلب منه نعيم بن مسعود أن يأمره بما شاء: «إنما أنت رجل واحد؛ فخذِّلْ عنا ما استطعت؛ فإن الحرب خدعة».

فألهم الله هذا الصحابي أن يفعل فعلة يسطرها له التأريخ في أنصع أوراقه، وأجمل افتخاراته، وخلاصتها: أنه ذهب إلى اليهود وإلى قريش والقبائل التي تمالأت على حرب الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فأفسد كل طائفة على صاحبتها، حتى جعلهم أعداءً، وفرَّق كلمتهم، وأضعف ثقة كل فئة بالأخرى، فتخاذلوا جميعاً عن الحرب، ثم أرسل الله عليهم جنداً من جنده من الريح العاصفة، والملائكة المرسلين فقوضت خيامهم، ولم تدع الريح قدراً إلا كفأتها، ولا طنباً إلا قلعته، وكفى الله المؤمنين القتال. فله الحمد والشكر