مِن نِعَم الله العظيمة على
بني ادم أنْ جَعَل لهم أزواجاً من جِنْسِهم وشَكْلِهم:
امتن الله سبحانه وتعالى
علينا أن خلقنا من نفس واحدة، فالرجال والنساء جنس واحد ، أصلهم واحد وهو آدم ،
وزوجته قطعة منه، فهي من جسده أو من جِنْسِه.
ولما كان خَلْقنا على هذا
النحو من أعظم آيات الله، ذَكَّرَنا الله به في الآية التي معنا، أعني قوله تعالى:
وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا
إِلَيْهَا ...(الروم: 21).
وقد تكررت الإشارة إلى هذا
المعنى في آيات أخرى، منها قوله تعالى :
يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً (سورة النساء: 1).
وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ
إِلَيْهَا (سورة الاعراف ،الاية: 189)، وقوله : خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا (سورة الزمر، الاية: 6).
والغرض من تكرار هذا المعنى
التأكيد على جملة دلالات، منها:
التكامل : فالله عز وجل –
بقدرته وحكمته- خَصَّصَ لكل واحد من الزوجين رسالة ودور في الحياة لا يقوم به
الآخر، وجعل تكوينه البدني والنفسي مهيئا لذلك، بحيث يتحقق التناسق والانسجام في
مختلف أوجه الحياة ، قال السعدي (ت: 1376هـ) تعليقًا على دلالات الآيات السابقة:
فيه تنبيه على مراعاة حق الأزواج والزوجات والقيام به، لكون الزوجات مخلوقات من
الأزواج، فبينهم وبينهن أقرب نسب وأشد اتصال، وأوثق علاقة([6]).
الترابط والتعاطف : قال
الحافظ ابن كثير (ت: 774هـ) : ذَكَرَ تعالى أَنَّ أَصْلَ الْخَلْقِ مِنْ أَبٍ
وَاحِدٍ وَأُمٍّ واحدة؛ ليعطف بعضهم على بعض، ويُحَنِّنَهُمْ على ضعفائهم([7]).
التكريم : صُوَرُ تكريم
الإسلام للمرأة كثيرة جدا ، منها أنْ جُعل الرجل أصلها، وجُعلت هي فرعه، لذا أُمِر
الزوج بالإنفاق عليها، وإحسان معاشرتها، والحذر من ظلمها والإساءة إليها. في الوقت
الذي ترى فيه بعض الفلسفات والأفكار الغربية والغريبة أنَّ المرأة شيطان، وأنَّها
منبع الرِّجس، وأصل الشَّر والبلاء!!
التآلف : لأنَّ الجِنْس إلى
الجِنْس أَمْيَل وبه آنَس، وإذا كانت بعضا منه كان السكون والمحبة أبلغ، ولو أنَّه
جَعَل بني آدم كلهم ذكورا وجعل إناثهم من جنس آخر من غيرهم إما من جان أو حيوان،
لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج، بل كانت تَحْصُلُ نَفْرَة ([8]).
تجدر الاشارة إلى أنَّ
"أهل العلم احتجوا بهذه الآيات وغيرها على من زعم إمكان وقوع التزاوج بين
الإنس والجن كما كان يدعيه بعض العرب، ويذكرونه في مختلقاتهم، وقصص الخرافية،
والخيالية"