الصبر
من منّا لم تصرعه الخطوب ,
ولم تحصره المحن , ولم تنزل على رأسه المصائب .
من منّا لا يقلقه المستقبل ,
ولم يخاف من الحاضر , ولم يحزن على الماضي .
فكلّنا ذاق ألم الفراق ,
وموت الأحبة , وشدّة المرض , وموجات الجوع , وبلاء العيش والدنيا ,وتناوب الآهات والزفرات .
وكلنا مرت علينا موجات الحزن
, وهطل من أعيننا دموع وأسى , واعتصرتنا كل أنواع الهموم والغموم في صدورنا .
قال تعال: {ولنبلونّكم بشيءٍ
من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات... الآية }البقرة (155) .
إلا أن الصابرون قليل ,
والأشداء على تحمّل الفجائع نادرون , مع أن الصبر للمؤمن علامة , وللراضي بقضاء
الله وقدره وسام , وهو لمن يتجسّد به بشرى ونور من عند الله تعالى {.... وبشّر
الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم
صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون.} البقرة ( 155ــ157)0
الصبر نهايته إلى خير بإذن
الله متى ما احتسب المؤمن بذلك وجه الله تعالى 0
قال رسول الله صلى الله عليه
وسلّم :" عجباّ لأمر المؤمن إن أمره كلّه خير وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن : إن
أصابته سراء شكر فكان خيراً له , وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً " رواه مسلم
0
قال الشاعر :
الصبر مثل اسمه مرٌ مذاقته
لكن عواقبه أحلى من العسل
ولنا في صبر الأنبياء أروع
الأمثلة , فهذا يعقوب عليه السلام صبر على فراق يوسف عليه السلام , وهذا أيوب صبر
على المرض , وهذا يونس صبر على الظلمات الثلاث , وصالح ولوط صبرا على إيذاء
أقوامهم
لهم , وهذا نبينا محمد صلى
الله عليه وسلّم صبر عندما فارق الأحبة , وصبر عندما آذوه قومه , وصبر على الجوع 0
وللصبر أنواع ثلاثة :ـ
1 - الصبر على طاعة الله في الإتيان لكل ما أمر به 0
قال تعالى { واستعينوا
بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين }البقرة (45)0
2 - الصبر على المعصية , وذلك بأن يعمل المؤمن على
تحصين نفسه من كل ما هو مزيّن أمامه , ومن الشهوات الدنيوية والتي تكسب الإنسان
ذلاًّ في الدنيا , وعذاباً شديداً في الآخرة 0
قال تعالى :{ ربنا أفرغ
علينا صبراً وتوفّنا مسلمين } الأعراف (126)0
3 - الصبر على النوازل والمصائب , لما في ذلك من
الأجر العظيم والثواب الجزيل 0
عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي
الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال :" ما يصيب المسلم من نصب ولا
وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم , حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من
خطاياه " متفق عليه
قال الجنيد وقد سئل عن الصبر
" هو تجرّع المرارة من غير تعبّس
"
وقال ابن عياض في قوله تعالى
}سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار {الرعد (24) " صبروا على ما أُمروا
به وعمّا نهوا عنه 0
قال تعالى { يا أيها الذين
آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تُفلحون } آل عمران (200)