حرب أهلية
لأجل سمكة، راح ضحيّتها آلاف الكلاب
في مصر القديمة عبدت الناس الحيوانات، واتّخذت كلّ مدينة شفيعاً
لها جنساً من الحيوانات قدّسته. وهذه العبادات كثيراً ما كانت تؤدّي إلى حروب
طريفة من منظورنا المعاصر.
ولا أقصد
بقديمة هنا مصر الزمن الغابر، إنّما فترة القرون القليلة التي سبقت ميلاد المسيح.
فترة الأسرة الپطولمية والمُضرية-الأخمينية والمضرية-السريانية قبلها. مع أنّ هذه
الأديان في الواقع هي ميراث آلاف السنوات. لكن، أحد أطرف الحروب التي اشتعلت بسبب
عبادة حيوان حدثت في العهد الپطولمي.
ما بين
المنيا وبني سويف عاشت طائفة عبدت الكلاب، كانت لها مدينة مركزية لعباداتها هي
اليوم بلدة القيس بالقرب من بني مزار. أطلق الپطالمة على هذه المدينة اسم
كونوپوليس (كينوپوليس) Κυνόπολις وتعني
مدينة الكلب. والسبب كان وجود صنم كبير في المدينة للمعبود أنوپ
ⲁⲛⲟⲩⲡ أو إنپو بالمصرية القديمة. وهو ربّ برأس كلب.
وذاعت عبادة الكلاب آنذاك واعتبرتها الناس شفيعة ما بعد الموت، حتّى حنّطت الناس
جثث الكلاب ودفنتها مومياءات بالملايين في سقارة، عثر منها حتى اليوم على 8 ملايين
مومياء.
على القرب من مدينة الكلب
القيس، عاشت طائفة عبدت السمك. كان مركز عباداتها في مدينة البهنسا قرب المنيا
كذلك. سمّاها أهلها في الفترة الهيلينية پِر-مِدجِي أو ميجي وسمّاها الپطالمة سيرينْكوس (سورينْكُس) Ὀξύρρυγχος ومعناها
الحرفي هو حادّ الأنف. والمقصود بحادّ الأنف هو سمكة المِدجي، أحد أنواع أسماك
الفيل (مورميرِنا) التي تعيش في نهر النيل. والتي سمّاها الإغريق سيرينْكوس. وآمن
أهل البهنسا آنذاك أنّ سمكة المدجي لها قدرات لمنح الخصوبة ومنعها.
في القرن الأوّل الميلادي
يذكر المؤرّخ الإغريقي فلوطرخس
Πλούταρχος حكاية عن حرب
أهليّة اشتعلت ما بين مدينتي القيس والبهنسا حين صاد أحد سكّان القيس سمكة مدجي
وأكلها، فثار أهل البهنسا واعترضوا على أكل سمكتهم المقدّسة؛ وهاجوا للثأر من أهل
القيس، وشرعوا يقتلون الكلاب ويشوونها على الملأ ويأكلونها. واشتعلت الحرب ما بين
الجانبين، ووصلت إلى مقتلة بين الناس بعد أن بدأت بقتل السمك والكلاب… وهذه أحداث
كانت كثيراً ما تتكرّر في مصر القديمة، وغالباً ما كانت تمرّ على جثث الحيوانات
المعبودة فقط، دون الوصول إلى قتل الناس. لكنّ الفكرة بحدّ ذاتها طريفة بالنسبة
لي، أن يقتتل الناس لأجل حيوان معبود. لا هو طلب أن يُقدّس ويُعبد، ولا أنّ الناس
تستفيد فعلاً من تقديس هذي الحيوانات.
تقديس
الدجاجة مثلاً أو الخروف بالنسبة لي سلوك مفهوم بمنطق الأوّلين، حين تقدّم هذه
الدواجن غذاءً وكساء يقي البرد. لكن أن تقدّس حيواناً وتتّقي أكله وأذاه، ثمّ تقتل
من يعتدي عليه من الناس… أمر غريب. عموماً، اختفت الديانتين من مصر بحضور المسيحية
في العهد الروماني ومع بداية العهد البيزنطي، وفقدت كلّ من الأسماك والكلاب
قداستها.
حكاية
الحرب الأهلية بسبب سمكة مذكورة سنة 1914 في الصفحة 77 من كتاب: “تاريخ مصر،
خلديا، سوريا، بابل، وأسوريا”. من تأليف الآثاري الفرنسي: گاستون ماسپيرو
Gaston Maspero.
المصدر: موقع بخاري