من أين أتى
العرب باسم البحر؟
في العهد
الأگّدي كانت تقول الناس على فيض الماء تسمية بُخُّرُ أو مَبُخُّرُ ومنها صارت
تسمية البخار وكذلك تسمية البُخُّور. تسمية فيض الماء بُخُّرُ آتية من كلمة
أُخُّرُ الأگّديّة التي استعملها الناس بمعنى الشخص المتأخّر في الخلف، أي الباقي
بعد رحيل الجميع مثلاً، أو القادم المتأخّر، أو القادم الإضافي؛ الزيادة، ومن هنا
صارت تسمية الفيضان هي الماء الإضافي مَبُخُّرُ. وكانت كذلك تقول على تقدمة
المعابد أُخُّرُ إذا فاضت عن الحوض… وكان الناس يملؤون حوضاً حجريّاً في المعبد
بالتمر أو غيره من الفاكهة كتقدمة للمعبد، يأكل منها الرهبان وعابري السبيل.
التقدمة التي تفيض عن سعة هذا الحوض يسمّونها أُخُّرُ؛ أي آخر التقدمة.
في العهد
البابلي، الذي نسمّيه آرامي، تحوّلت كلمة مَبُخُّرُ إلى بُحُّرو حيث انقلبت الخاء
إلى حاء، وخرج عنها مع الزمن تصريف باحر أو بَحّر بمعنى أنّ الماء ملأ الحوض وصار
يكبّ عنه، تماماً كالمعنى الذي وُصفت به الفاكهة التي تفيض عن حوض التقدمة في
المعبد. ومنها صارت تقول العرب عن النازح أو المهاجر أنّه بَاحَ أي انكبّ عن
البلد. وكذلك تصف من سقط عن الحصان أنّه باحَ على وجهه، أي انكبّ. في ذات الوقت
بقيت صفة الفيضان أنّه بَحّر لأنّ الماء باح أو بَحّر عن مجرى النهر وغمر الأرضي
من حوله، وعنه صار اسم أي مسطّح مائي واسع باحر أو بحر.
هكذا
وُلدت كلمة بحر، ولمّا تعلّمت العرب الفرق ما بين النهر الجاري والبحر المستقر،
خصّت الجاري بكلمة نهر ولو كان عريضاً مسطّحاً كالنيل. وخصّت كلمة بحر بالمالح
المستقرّ. وكانت العرب قديماً تقول على النهر الواسع في مجراه بحر. ومع ذلك، بقيت
بعض العرب إلى اليوم تقول عن الكثير الفائض من الأشياء أنّه بحر، مثلاً هذا الرجل
بحر في علمه، ومحصول هذه السنة من القمح بحر. فتستبدل كلمة كثير بكلمة بحر. ذات
الاستعمال من زمن الأقدمين في العهد الأگّدي الأوّل.
الصورة
في الأعلى، حوت أحدب يلعب في بحر العرب قبالة ساحل ظفار في عُمان.
المصدر: موقع بخاري