على الرغم من أنّ الشاي هو من أكثر المشروبات
انتشاراً اليوم في سوريا وأغلب الدول العربيّة والتركيّة والفارسيّة، التي تفترض
مجتمعاتها قِدم هذا المشرب فيها وتجذّر تقاليده، إلّا أنّ عادات وتقاليد وطرق
إعداد هذا المشروب، التي تختلف وتتباين ما بين المناطق، ليست بهذا القدم حقيقةً.
فلم يمض على وجود الشاي في المشرق أكثر من مئة وخمسين سنة.
البعض يفسّر شعبية الشاي لدى سائر شعوب العالم بكلفته المنخفضة،
وبسبب عدم اكتراث أيّ من أديان العالم لوجوده، كما أنّه غير معرّض للانتقاد في أيّ
ثقافة. في الحقيقة، يوم انتشر الشاي كان يمثّل المقابل التجاري للكولا في أيامنا
المعاصرة، حيث نشرته شركة “الهند الشرقية” الهولندية-البريطانية بديلاً عن
الأوپيوم لتحقيق الأرباح المستدامة بأقلّ التكاليف.
ما هو الشاي
حسب كتاب حكاية الشاي The
story of tea، بدأ شُرب الشاي في إقليم يونان الصيني في
عهد مملكة شانگ، كمشروب دوائي قبل ٣٠٠٠ سنة. ومن هناك، انتشر شراب الشاي إلى
سيچوان، حيث يُعتقد أنّ الناس بدأت بغلي أوراق الشاي واستخراج سائل مركّز دون
إضافة أوراق أخرى أو غيرها من الأعشاب، وبالتالي بات يُشرب الشاي المرّ كشراب
منبّه.
وقد عُثر على أدلّة أثريّة عام ٢٠١٦ تشير إلى أنّ الإمبراطور چينگ
هان (زينگ خان) في چي-آن قد قدّم الشاي كشراب مُسكر في القرن ٢ قبل الميلاد، أي
قبل ٢١٠٠ سنة تقريباً.
في الواقع بدأ استهلاك مشروب الشاي في تايلاند كمشروب ديني من قبل
قبائل التاي قبل ٥٠٠٠ سنة، أو باسمهم القديم “الصاي” أو “التساي”، كلمة تساي أو
تاي بلغة الأيّوطايه (اللغة التايلاندية القديمة) معناها السيد أو الملك، وبالتالي
نقل مزارعوا إقليم يونان إنتاج وزراعة نبتة الشاي عن تايلاند باسم نبتة شعب
التساي، التي تحوّلت لاحقاً مع الشعوب الفارسيّة إلى التشاي (چاي).
حوالي ٨٠٠ ق.م بدأ الرهبان الصين باستهلاك الشاي مدّاً للقدرة على
الصلاة لأطول وقت ممكن، واستمرّت العادة مع رهبان البوذيّة وبالأخصّ مع طريقة الزن
(تسن)، كما اتّخذ الشاي مكانة دينيّة مميّزة في عاصمة البوذية التبتيّة المقدّسة
“لاسا”.
ونكهة الشاي سببها زيت طيّار، وخاصّيّته المنبّهة سببها الكافيين،
أمّا خاصّيّته القابضة فسببها التانين الذي يتناقص في الشاي الخمير (الأسود) من
جرّاء التخمير. وأحياناً يُضاف زهر الياسمين أو غيره من النباتات العطرة إلى بعض
أنواع الشاي لتطييبه.
يختلف الناس في تناول الشاي منذ القِدم، فبعضهم يحبّه حلو المذاق
وبعضهم الآخر يفضّله مع حليب أو زبدة أو سمن، وآخرون يكتفون به صافياً فلا يزيدون
على طعمه طعماً.
وينتشر شرب الشاي الأخضر في المناطق التي تفضّل المشروبات الخفيفة،
حول العالم، كالشرق الأقصى مثلاً، حيث يُنقع الشاي في ماء بحرار ٨٠مْ. بينما وفي
دول المغرب العربي ودول وسط آسيا يفضّل النّاس الشاي المرّ ويستخدمون ماء بحرارة
أعلى. في المغرب يُنقع الشاي الأخضر في الماء بينما يغلي لمدة ربع ساعة.
النوعيات العالية والراقية من الشاي الأبيض والشاي الأخضر، تقبل
تجديد ماء النقع عدة مرّات وتستمرّ بإعطاء ذات النكهة القويّة لخمس مرات على الأقل.
الشاي عند العرب
ذكرت الموسوعة العربية العالمية أنّ الشاي لم يُعرف عند العرب في
عصر الجاهلية ولا في صدر الإسلام ولا في العصر الأموي ولا العباسي. ولم ينتشر
ويصبح معروفاً في العالم إلا في القرن السابع عشر وما بعده، وقد كانت أول شحنة من
الشاي قد وصلت أوروبا في عام ١٦١٠ وهو أوّل عهد الأورپيّين بالشاي.
في القرن العاشر ورد ذكر الشاي لدى الجغرافي الأُزبكي الخوارزمي
“البيروني” بالفارسيّة، “بأنّ الصينيّين كانوا يشربون شراباً ذهبيّاً يسمّى شراب
التشاي (چاي)”.
أمّا العرب فقد عرفوا شُرب الشاي فعليّاً منذ القرن ١٩، وهي نفس
فترة انتشاره في سوريا والأناضول وتراكيا من بعد ترخيص استيراده من قبل الحكومة
العثمانيّة، وقد دخل العثمانية أوّلاً من العراق عن طريق الشركات الإنگليزية
العاملة في إيران، إذ كان الشاي قد انتشر في إيران قبل دخول العثمانية، ما نشر التسمية
الفارسية للمشروب في اللّغة العربية، چاي.
في العراق حيث دخل الشاي مع الشركات البريطانية من البصرة، اختُلقت
تسمية “استِكان”، اشتقاقاً عن العبارة الإنگليزية (إيست تي كان) East Tea Can،
ومعناها علبة شاي شرقي، وهكذا يُطلق العراقيون اليوم تسميّة “إستِكان چاي” على
فنجان الشاي.
وفي مصر، دخل الشاي مع الضباط البريطان عام ١٨٨٢، ولكنّه استمرّ
بدايةً مشروباً نخبويّاً مقصوراً على العائلات الأرستقراطية والملكيّة، وكانوا
يسمّونه وقتها “الخرّوب”، ثمّ عمّ شرب الشاي بمساعٍ من حملات التسويق الإنگليزية.
في المغرب اشتُهر الشاي (أتاي عن الفرنسية) في القرن ١٨، بعد أن
قدّم مبعوثون فرنسيّون هدايا فدية للسلطان العلوي مقابل إطلاق سراح أسراهم، وكان
بين الهدايا أكياس شاي وسكّر.
احتكرت شركة “الهند الشرقية” البريطانيّة توريد الشاي إلى
المستعمرات البريطانية حول العالم حتى ١٨٣٤، ثمّ بدأت الامبراطورية البريطانيّة
بشرائه من الشركات الأميركية. ووصل الشاي إلى المستعمرات الأمريكية عام ١٦٨٠ وكان
المشروب المفضّل لدى المستوطنين حتّى استبدلته القهوة.
خلال القرن ١٨ بدأت الشركات الروسيّة بتصدير الشاي الفرغاني من وسط
آسيا نحو أوروپا، ولفترة طويلة من الزمن، فاشتهر آنذاك الشاي الأسود باسم “الشاي
الروسي”، إذ كانت القوافل الروسية تنقله من تركستان إلى أوروپا الشرقية.
زراعة الشاي وحجمه في السوق
زراعياً
هناك نوعان للشاي في العالم :
1- أسام-يكا: ينمو في الهند له أوراق كبيرة، تنجح زراعته
في الخط الاستوائي فقط، لا يتحمّل الحرارة المنخفضة ويموت عند تعرضه لحرارة -٣مْ،
وذلك لكبر حجم الأوراق واحتوائها على كميّات كبيرة من المياه. أمّا درجة الحرارة
العليا المحتملة فهي ٣٤مْ.
2- الصيني: أوراقه صغيرة يتحمل -١٧مْ تحت الصفر، درجة
الحرارة العليا المحتملة ٣٥مْ، وهذا النوع هو الملائم لزراعته في سوريا.
وبالرغم
من أهميّته وزيادة استهلاكه وإمكانية زراعته في سوريا، ما زالت سوريا من الدول
المستوردة لمادة الشاي ولا يمتلك مزارعوها إلّا القليل من المعلومات عن زراعة
الشاي. إذ أنّ زراعة الشاي تجود في المنطقتين الحارّة والمعتدلة، وسوريا تقع ضمن
نطاق المنطقة المعتدلة الحارّة، وجميع العوامل المساعدة لزراعة الشاي متوفّرة
أيضاً باستثناء المطر الصيفي المرافق لارتفاع درجة الحرارة، وهذا يستعاض عنه بالري
الرذاذي.
يأتي
نبات الشاي فرعاً عن نبتة الكاميليا، التي نشأت في الجنوب الشرقي من آسيا، خاصّة
أراضي شمال شرق الهند وشمال بورما والجنوب الغربي للصين والتبت. وقد انتشرت نبتة
الشاي في أكثر من ٥٢ دولة من مركز الأصل هذا.
أهمّ
الدول المنتجة للشاي اليوم بالترتيب هي: الصين ٤٠٪، ثمّ الهند، كينيا، سري لانكا،
وتركيا. بينما تُعتبر الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية أهمّ المتحكّمين
بتجارة الشاي دولياً، دون وجود مصانع لإنتاج الشاي على أراضيهما، حيث تمتلك
شركاتهما أهمّ وأكبر علامات الشاي التجارية حول العالم.
في أسواق
دول المشرق العربيّة، يأتي أغلب الشاي من الهند، وأهم أنواعه:
شاي أسَم Assam وهو شاي قوي
ومنكّه بطعم التوابل وداكن اللون، يأتي من منطقة أسَم شرق الهند.
دارجيلنگ Darjeeling وهو
شاي ناعم ذهبي اللّون، يأتي من دارجيلنگ أعالي جبال الهملايا. والقطفة الأولى
للشاي هي في فصل الربيع والقطفة الثانية في الصيف ويكون لون الشاي أغمق وأقوى نكهة.
أما في
سوريا فأغلب الشاي يأتي من جزيرة سري لانكا، الشاي المنكّه القوي المذاق، المشهور
باسم الشاي السيلاني، نسبة إلى سيلان اسم الجزيرة القديم.
تجارياً
ينقسم الشاي إلى عدّة تصنيفات مختلفة تستند إلى طريقة تحضيره صناعياً، وأغلب الشاي
المنتشر حول العالم ينتمي إلى ست تصنيفات رئيسية:
الأبيض: مجفّف على النبتة وغير مؤكسد.
الأصفر: ذابل ومقطوف طازج وغير مؤكسد، ولكن متروك ليصفر.
الأخضر: مقطوف طازج وغير مؤكسد.
أولونگ: مجفّف على النبتة، معجون، ومؤكسد جزئياً.
الأسود: مجفّف على النبتة، مكسّر، مؤكسد، ويسمّى في
الصين بالشاي الأحمر.
الخمير: شاي أخضر مكوّم ومتروك ليتخمّر قبل تعليبه،
ويسمّى في الصين بالشاي الأسود.
الصدر: موقع البخاري