عِمَاد حَسَن أَبُو
العَيْنَيْنِ |
هذا الواقع الأليم للأمة لم يباغتها
بين عشية وضحاها بل تسلل إليه عبر مجموعة معوقات على مدار أكثر من قرنين من
الزمان، ولكن الذي يظهر على السطح من هذه المعوقات هو قائد الركب؛ لذا نرى أنه
لا بد أن تكون قيادة ركب الحياة "وإدارة دفة المدنيَّة بيد الذين يؤمنون
بالروح والمادة، ويكونون أمثلة كاملة في الحياة الدينية والخلقية، وأصحاب عقول
سليمة راجحة، وعلوم صحيحة نافعة، فإذا كان فيهم نقص في عقيدتهم أو في تربيتهم
عاد ذلك النقص في مدنيتهم، وتضخم وظهر في مظاهر كثيرة وفي أشكال متنوعة، فإذا
تغلبت جماعة لا تعبد إلا المادة وما إليها من لذة ومنفعة محسوسة، ولا تؤمن إلا
بهذه الحياة، ولا تؤمن بما وراء الحس أثرت طبيعتها ومبادئها وميولها في وضع
المدنية وشكلها، وطبعتها بطابعها، وصاغتها في قالبها، فكملت نَوَاحٍ للإنسانية
واختلت نَوَاحٍ أُخرى أهمّ منها وعاشت هذه المدنية وازدهرت في الجصِّ والآجر،
وفي الورق والقماش، وفي الحديد والرصاص، وأخصبت في ميادين الحروب وساحات القتال،
وأوساط المحاكم ومجالس اللهو ومجامع الفجور، وماتت وأجدبت في القلوب والأرواح
وفي علاقة المرأة بزوجها، والولد بوالده والوالد بولده، والأخ بأخيه والرجل
بصديقه، وأصبحت المدنيَّة كجسم ضخم متورم يملأ العين مهابة ورواء، ويشكو في قلبه
آلامًا وأوجاعًا، وفي صحته انحرافًا واضطرابًا. |