صحابيات وصفات اشتهرن بها
علم عائشة رضي الله عنها
كانت السيدة عائشة -رضي الله
عنها- ذات مكانةٍ علميةٍ جليلة، فكانت عالمةً من علماء زمانها، ومرجعاً أساسيّاً
يرجع إليه الصحابة -رضي الله عنه- في كلّ ما يريدون أن يسألوا أو يستفسروا عنه؛
سواء في القرآن الكريم أم الحديث النبوي الشريف أم الفقه، وقد روى الصحابة الكرام
الكثير ممّا يدلّ على ذلك، منه ما قاله أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه-: (ما
أشكَل علينا أصحابَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حديثٌ قطُّ فسأَلْنا
عائشةَ إلَّا وجَدْنا عندَها منه عِلْمًا)،[١] ووصف الزّهري -رحمه الله- علمها
فقال: "لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع النّساء، لكان علم عائشة أفضل"،
كما كان هناك بعض المسائل التي لا علم لأحدٍ بها سواها، ولها علمٌ كبيرٌ في تفسير
آيات القرآن الكريم، ويعود ذلك إلى سنّها الصغير؛ فمنذ بداية نزول القرآن على
سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- كانت تسمع الآيات من رسول الله، وتشهد على الكثير
من نزول الوحي بالآيات
وتمتاز السيّدة عائشة -رضي
الله عنها- عن غيرها من زوجات رسول الله أنّ الوحي لم يكن يتنزّل على سيدنا محمد
وهو في لحاف أيٍّ من زوجاته سواها، وقد نزلت بها آياتٌ عديدة؛ مثل آيات الإفك
والتيمّم، وهي التي وصفت حالة رسول الله أثناء نزول الوحي عليه، فقالت -رضي الله
عنها-: (فلقد رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ ينزلُ عليْهِ
الوحيُ في اليومِ البردِ الشَّديدِ فيَفصِمُ عنْهُ وإنَّ جبينَهُ ليتفصَّدُ
عرقًا)،[٣] وكانت -رضي الله عنها- تسأل رسول الله عن كل ما أشكل عليها أثناء فهمها
للآيات.[٢] وكانت عالمةً بالسُّنة النبوية الشّريفة، ويعود ذلك لملازمتها لرسول
الله، فكانت تسمع منه ما لا يسمعه غيرها، وتروي عنه ما لم يروِه أحدٌ غيرها بكلِّ
دقّةٍ وضبطٍ وإتقانٍ، وقد بلغ عدد مرويّاتها أكثر من الألفين حديث، وعدّها ابن حزم
في المرتبة الرابعة من بين الصحابة الأكثر روايةً.
وكانت السيّدة عائشة -رضي
الله عنها- عالمةً بالفقه، حيث كان علمها يفوق علم كثيرٍ من الصحابة رجالاً
ونساءً، وقد قام بعض العلماء بتصنيف المُستدركات التي تضمّ المسائل التي أجابت
عنها، من ذلك ما صنّفه بدر الدين الزركشي -رحمه الله- وسمّاه "الإجابة لما ما
استدركته عَائِشَة على الصحابة"، وكان الصحابة إذا أُشكل عليهم شيءٌ يأتوها
من أجل الفتوى، ورُوي أنّها استقلّت بالفتوى منذ خلافة أبي بكر -رضي الله عنه- إلى
أن تُوفّيت -رحمها الله-، وكانت أيضاً عالمةً باللّغة والشّعر، فقد كانت فصيحةً
بليغةً، وحافظةً للشعر، ولمّا تُوفّي أبو بكر رَثَته رثاءً بليغاً يدلّ على
ثقافتها وفصاحتها وعلومها، وبالإضافة إلى ذلك فقد كانت عالمةً بالطبّ، وممّا
يميّزها أنّ علمها بالطب لم يكن بالتعلّم فقط، وإنّما اعتمدت فيه على ذكائها وقوّة
ملاحظتها